مدونة شخصية ثقافية

مدونتي:
أكتب فيها بكل صراحة ما أريد لأهم أعمالي بعد نشرها في الصحف والمواقع الالكترونية، تتناول المدونة القضايا الاجتماعية والثقافية، وكل ما يهم القارئ .. أتمنى أن أكون عند حسن الظن وأن تنال أعجابكم..
مع خالص تقديري.

د. حسن عياش

الثلاثاء، 1 مارس 2011

مركز رافات الشبابي ينظم ندوة بمناسبة يوم القدس

مركز رافات الشبابي ينظم ندوة بمناسبة يوم القدس

تاريخ النشر : 2010-09-05
كبر الخط صغر الخط
سلفيت-دنيا الوطن


ضمن أنشطتها العلمية والثقافية نظمت اللجنة الثقافية في مركز رافات الشبابي للتنمية والابداع يوم الجمعة 3/9/2010 مساءً ندوة ثقافية بعنوان" مملكة القدس اللاتينية وتحريرها على يد صلاح الدين الأيوبي" وقد حضرها جمع غفير من أهالي البلدة، وممثلو عدة لجان أهلية، ووجوه وشخصيات وطنية وسياسية.
استهلت الندوة بتلاوة من القرآن الكريم رتلها بسام شحادة، فالسلام الوطني الفلسطيني، تبع ذلك كلمة ترحيبية من رئيس المركز أ. مأمون شحادة الذي رحب بالحضور كل باسمه ولقبه شاكراً لهم حضورهم وتفاعلهم مع هذه الندوة. وأشار رئيس المركز في كلمته إلى أهمية الموضوع في الوقت الذي تتعرض له مدينة القدس لعملية تهويد وتغيير لمعالمها العمرانية داعياً الحكومات العربية الوقوف إلى جانب أهلنا في مدينة القدس.
واستهل الندوة الدكتور حسن عيّاش أستاذ التاريخ ؛ باستنكاره نية الاحتلال الصهيوني من عقد المؤتمر الصهيوني الرابع عشر في القدس، كما أكد أنه ينبغي أن تنتهي حالة الحصار لقطاع غزة وإعادة اللحمة بين شطري الوطن لإنهاء حالة الانقسام لأن أغلبية الشعب الفلسطينيي تريد تحقيق مصالحة وطنية، ثم تحدث قائلاً" وطن سُلب في وضح النهار على حساب شعبه الأصليين، وذلك على مرأى من العرب والمسلمين" كما أشار إلى الذاكرتين الفردية والجماعية لشعب عاش في هذا الوطن كبقية الشعوب التي تعيش في أوطانها، إلا أنهم أٌجبروا على الهجرة خارج وطنهم، ليبقوا يحترقون بنار الشوق إليه، كما أشار إلى عدم تمكن المواطنين في الضفة الغربية، وقطاع غزة من دخول مدينة القدس للعبادة في هذا الشهر الفضيل، وقارن المحاضر بين الحملة الصليبية التي جاءت من أوروبا، وانتزعت قطعة من بلاد الشرق أقاموا عليها مملكتهم بناءً على دعوة البابا "أوربان الثاني" الذي دعا المسيحيين الأوروبيين إلى التوجّه إلى الشرق الإسلامي في حملة صليبية الهدف منها" هو تخليص بيت المقدس من الكفار، واسترداد قبر المسيح"- كما ادّعى البابا في خطبته- واستعرض المحاضر ارتكاب الغزاة الصليبين في المدينة المقدسة فظائع كبيرة في حق المسلمين يصعب تصديقها بل تخجل منها الإنسانية جميعًا، لأنّهم من أتباع السيد المسيح داعي السلام والمحبة والمسامحة، ولم يمْلِك المسلمون في داخل المدينة إلاَّ المقاومة .
وبخصوص تحرير المدينة على يد صلاح الدين الأيوبي لفت الدكتور حسن عياش إلى أن مدينة القدس ظلت في أيدي الصليبيين منذ يوم الجمعة الخامس عشر من شهر تموز عام 1099م، الثالث والعشرين من شهر شعبان عام 492هـ، حتى نجح القائد صلاح الدين في استردادها بعد انتصاره على الصليبيين في موقعة حطين 1187 م، إذ دخلها فاتحا ومستردا، وأشار المحاضر إلى التسامح الكبير الذي أبداه صلاح الدين الأيوبي الذي أرسل رجاله للمناداة في شوارع القدس بعدم الاعتداء على الصليبيين العزل، وعدم الاعتداء على منازلهم، وعدم اغتصاب ممتلكاتهم.
وأخيراً لفت المحاضر إلى التقارب بين ما فعله الصليبيون، وما يفعله الاحتلال الصهيوني في مدينة القدس .
من جهته ثمن أ. عثمان شحادة، وضياء عياش منسقا الندوة تلبية الدكتور حسن عياش لتقديمه المحاضرة .
وقد تميز هذا اللقاء بتفاعل ملموس بين المحاضر والحضور بمختلف شرائحهم العمرية، وذلك من خلال كم المداخلات والأسئلة التي دارت في اللقاء، وما أبدوه من إعجاب بما احتوته الندوة من معلومات قيِّمة، وسرورهم بحسن الضيافة، وقد أجاب الدكتور عياش في نهاية الندوة عن مجمل الأسئلة التي أثارها الحضور، وفي الختام كرَّم رئيس المركز أ. مأمون شحادة الدكتور حسن عياش درعاً تذكارياً تقديراً وعرفاناً من المركز له وكذلك واعدا الرقي بالمستوى الثقافي في القرية
http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2010/09/05/153696.html

لماذا أصبحنا على ما نحن عليه‏!


ما يذكرني أن هناك أناساً يجمعنا بهم القدر؛ فترتسم على وجوهنا البسمة، ونضعهم في قائمة الأصدقاء الأوفياء، ولكن، المفاجأة الكبرى عندما تجد أن هؤلاء الذين وضعتهم في قائمة الأوفياء هم أول من يغدرون بك... كنت أتمنى لو أنني مخطئا حتى أجد لنفسي مسوغاً، فصورتهم كامنة في ذاكرتي لا تغادر وحتى اللحظة رغم كل الأسى؛ فهم باقون مع نبضات القلب............ أشعر بالأسى والحزن أكثر فأكثر، ترهلت نفسيتي بعد أن كانت مشدودة بالأمل.
لا أعرف لماذا أرهق نفسي وأقلقها لسبب تافه جدا، فأسباب هذا القلق لا يستحق التفكير به. كم أنا غبي .. لأنني كنت على تفكير خاطىء، فاختلاف المصالح تجعلنا مجانين لدينا مراتب ودرجات... يعلم الله كم أشعر بالأسف لهذا الخطأ. لكن لم أنتبه لغبائي إلا بعد مرور الأيام؛ عندما استرجعت شريط الذكريات. ولما كنت عاجزاً عن إخفاء تعلقي بهم، التقطت ورقة وقلما من جارور المكتب وكتبت اسم أحدهم عليها.. وحرقت جزءاً من الورقة الذي دوَّنت اسمه ليخرج من قلبي إلى غير رجعة...
تسألني لماذا لا تبتسم؟ وما الذي يدعوك للعزلة، وجلد النفس؟ ألا تعلم أن الناس يولدون.. ويؤلم بعضهم بعضاً.. ثم يموتون!
لقد وجدت في عزلتي ملاذى؛ فبيتي سيكون فضاءً يتسع لعينيي، ولن يظلمني فيه أحد، وحدها الكتابة يمكن أن تخفِّف من ألمي.. وحدها تحتمل حقيقة قولي.. وحدها من يساعدني على رفض الظلم ورفعه في هذه الحياة؛ فالكتابة أصبحت ديدنين، فالروح حينما تقلق تتعلق بالكتابة.
تحدثت مرة في مقالة عن الواسطة فيتامين واو، ومسح الجوخ، فيبدو أن الواسطة أصيلة راسخة في حياتنا استمرت عبر الزمن حتى وصلت إلينا؛ وفي هذا الصدد تذكرت وأنا أقرأ "رسالة الغفران" للمعري؛ قول أوس بن حجر لابن القارح: " ولقد دخل الجنة من هو شرُّ مني، ولكن المغفرة أرزاق".
فهل تنطبق الواسطة على حالتنا بعد مئات السنين، ومسح الجوخ أيضاً، ففي مزرعة ما نجد من يمسح الجوخ لصاحبها، وما أكثر هذا الصنف!؛ ويسوغون ما يقوم به؛ للوصول إلى أهدافهم، والبقاء في مناصبهم هؤلاء تميزوا في الظلم، والجبروت، وقطع الأرزاق.
فذات صباح جاءني هؤلاء قائلين:
- عليك أن تأخذ نفساً عميقاً.
- شو مناسبة هذه الرياضة؟
- نحن نحقق معك... ابدأ: شهيق زفير...... خذ نفس عميق... مرة أخرى: شهيق زفير....
- احكوا غير هذا الكلام!
وبعد لحظات وصلني القرار الآتي:
قررت الهيئة المشرفة على المزرعة ما يلي:
أولاً: ليست مهنتك الزراعة
ثانياً: إنك استلمت مهنتك باتفاق بين طرفين..لا يجوز الإخلال به، وأنت أخليت بالاتفاق.
ثالثاً: ارتكبت مخالفات بهدف التمليك....
رابعاً: إنك لا تطبل ولا تزمر ولا تهتف
وبناءً على ما سبق وحسب المادة رقم 144 من القانون الداخلي للمزرعة صدر قرار بطردك منها.
استذكرت حقوق الإنسان فقلت، سينتقل المزراعون ليبيعوا البسكويت والكعك والعلكة عند إشارات المرور. كان علي أن أشفر ما أكتبه، وأترك الباقي لذكاء القاريء. وفي اليوم التالي لم أستطع الرد على أسئلة تلاميذي......تذكرت سقراط عندما ردَّ على تلاميذه الذين كانوا يشاهدون إعدامه، بقولهم له: من المؤسف أيها المعلم أن تموت دون ذنب ارتكبته؛ فأجابهم: وهل تظنون أن الموت كان يمكن أن يكون أسهل لو كنت مذنباً؟
وأعدت قراءة "رسالة الغفران" وكأني بخلائق صاحبها يحمل هماً كبيراً لأنه يخاف على كرامته أن ينال منها أحد، أو تمسها إحدى الدسائس، أشاهد أمي منذ فترة قصيرة ترفع يديها للسماء:" ياربي يا قادر عليك بولاد الحرام"... "الله ينتقم منهم بحق لا اله إلا الله محمد رسول الله" وترد عليها أختي في الشتات - تعاني من مرض خبيث- رافعة يديها وعينيها نحو السمـاء تقول: "يا رب ييسرلك ياخوي ويرزقك... يا رب يا قوي تمحيه من كل ظالم أنت قادرعلى كل شيء"..
يذكرني هذا بأيام زمان أيام طفولتي ما كان يردده الناس من ابتهالات وأدعية – ومازالوا- بأن يزيل الله كيان إسرائيل ليس لأنهم يهود، لكن لأنهم سلبوا أرضنا في وضح النهار، وبقينا نحترق شوقاً إليها، لكن الله لم يسمع منا دعاء، ويذكرنى أيضا بحكاية جميلة كانت عالقة في مخيلتي؛ حكاية البعير الذي راح يهدد البغل بالدعاء عليه، فيرد عليه البغل:"...فإن الوحوش الراتعة تبتهل على سيد الغابة منذ كانت الخليقة، وما لقي من دعائها إلا خيراً".

كيف يستوي الظل والعود أعوجُ


كيف يستوي الظل والعود أعوجُ


يحكى أن رجلاً كان يعمل في وظيفة بواب، وكانت مهمته فقط تفتيش دقيق لكل من يدخل إلى المؤسسة التي يعمل بها، وفي إحدى المرات قرّر هذا البواب أن يمنع أحد المراجعين من الدخول إلى المؤسسة بحجة دخوله مبتسماً، فرفض هذا الشخص أوامر البواب، مما جعل الأخير يصرخ به ويأمره بالعودة، فجاء رجل بعده وسمح له بالدخول، وسأله - متوقعاً أنه هاكر- لماذا منعت دخول الرجل الذي قبلي، ، فردّ عليه البواب إذا فتشت الداخلين فقط، ولم أمنع من أريد أن أمنعه على الأقل، فماذا عملي إذن؟
أعتقد أنني خرجت من هذه الحكاية كما يعود السكران إلى بيته، والطريف في هذا الأمر أن تجد من المثقفين - كما يدّعون – من يتعامل مع الذين لهم مصلحة كما هو البواب، ليشعرك ويوهم الآخرين أن له سلطة، ولا تستطيع أن تمشي معاملتك إلا من خلاله...؛ ومن الطرافة هنا أن يكون من يُمثل هذا النمط هو أحد رؤساء الأقسام في مؤسسة تعليمية، ويُمارس هذا الشيء ليس على داخل أو خارج، وإنما على زميل له في القسم، فقبل أيام تقدم أحد أعضاء الهيئة التدريسية في مؤسسة تعليمية على براءة ذمة.. وهي عمل روتيني.. وبحاجة إلى توقيعه فقط، ومن ثم توقيع من يليه، واللافت للنظر بل، والمضحك جداً أن رئيسَ القسم يطلب أن يترك زميله المعاملة ليوقع عليها توقيعه السامي إلى اليوم التالي، ليأتي اليوم التالي فيطلب منه أن يترك الورقة لليوم الذي يليه، وتكررت العملية، وهو غير آبه، ولم يعمل بها شيئاً، وبالمناسبة؛ فإن المعاملة وقعها قبله من يأتي بعده، وهم يضحكون، وهو يعلم جيداً أن الورقة لا تحتاج إلى شيء. المهم في الأمر أنه بعد ثمانية أيام تقريباً يختمها مبيناً لزميله أنه مهم، ولكن مما يُؤسف له أن ما في الورقة روتينياً، وليس فيها ما يدعو إلى الانتظار، ولا إلى الزعامة الناقصة.
وهذا يذكرني في الاصطفاف أمام مقرات الإدارة المدنية الإسرائيلية في بلادنا قبل مجىء السلطة الوطنية الفلسطينة، وأمام حواجز الاحتلال حيث كان الجنود الذين تتحكم في نفوسهم مشاعر الاستخفاف والنظرة العنصرية لا يكترثون بمعاناة الإنسان الفلسطيني.
على هذا القياس أربط بين دعوات مكافحة الفساد وبين ما سمعته من زوج يقول لزوجته ما سمعه من القنوات الإخبارية عن اللجنة الرباعية والمساعدات للفلسطينين، فترد عليه زوجته، مع اللجنة الرباعية مش حتقدر تغمض عينيك".
وعوداً إلى موضوع المقالة فإنه يحق لنا أن نعتب بل أن نغضب على مؤسسة يرأس أحد أقسامها هكذا أكاديمي، المفترض من هذا النوع أن لا يرجع فقط بشهادة عليا.. بل كقائد أديب يوجه طلبته ليقودوا الوطن، ويتمتعوا بقدر من الأخوة والزمالة والعدالة، لكن للأسف هذا عكس الواقع..
وأنا لا أدّعي أنني ألممت بكل شيء، ولا رتبت كلمات هذه المقالة، لكن كما قيل يبقى المخفي أعظم، ويا غافل لك الله، ومع هذا، فإن الأصوات التي تعلن عن مكافحة الفساد تظل تصدع أُذُنَنَا ليلَ نهار، فلا أمن وظيفي، ولا غيره، وهنا يكمن تساؤل يبدو كبيراً: من يُراقب المراقِب؟ ومن يحمي الموظف، وإدارة المؤسسة تعرف كل هذا، وغيره لكنها ليست معنية لأنه ممن يمسح الجوخ، والمؤسسة تدَّعي أنها حريصة كل الحرص على أن تكون بيئة جاذبة للطلبة ليتعلموا الأخلاقيات والإنسانيات، وأنها تعمل دائماً على توفير كل الاحتياجات اللازمة، والتسهيلات لأساتذتها بالشكل المطلوب، وتحقيق المصلحة العامة.
والشيء بالشيء يُذكر، فقد قطع بوش شوطاً كبيراً في رفع راية مكافحة الفساد بعد الانتصارات التي حققها في قتل آلاف العراقيين، فيبدو أنها هذه هي الخلطة السحرية في مكافحة الفساد، والتعامل مع البشر.
وفي هذا الصدد قرأت في إحدى المقالات ما نصه:" أجريت مقابلة خاصة مع وزير التعليم الصهيوني .. صرح الأخير بان الكيان الصهيوني يتخرج من جامعاته سنويا في المتوسط 80 عالماً، أو فنياً، أو أكاديمياً متخصصاً .. فاستصغر مقدم البرنامج هذا الرقم .. فطمئنه الوزير الصهيوني بأن هذا الرقم يعد كبيراً بالمقاييس العلمية العالمية المتخصصة، والتي تعتمد على الكيف .. وليس على الكم ..!!!" لكن الحاصلين على الشهادات العليا في العالم العربي اليوم أصبحت بالملايين لكنها مجرد ترف اجتماعي، والحصول عليها أصبح زخرفة جوفاء.
إنه لمن تعاسة هذا الزمن أن يصبح المفسدون والمحتالون، أخف وطأة من أصحاب الحق، والمدافعين عن حقوقهم. إنها حياة مزيفة، فطعامنا وكلامنا وبشرتنا وعمليات التجميل من ألوان الزيف والخداع، وغيرها الكثير.
إن مجتمعنا يمر في مرحلة يمكن أن نسميها ثقافة المصلحة، ولا تعجب إذا غيَّرنا مبادئنا بين ليلة، وضحاها؛ فهذه ثقافة، وقد ذكرت في إحدى مقالاتي إن هناك مافيات متخصصة في الفساد توظف شهاداتها من أجل شرعنة الفساد.
أعتقد أننا في ظل التحديات التي تواجهنا كمجتمع فلسطيني، بحاجة إلى أن يوصل الجميع أصواتهم إلى قطاع أوسع من المختصين والمهتمين في الحكومة، وأن ﻳﺴﺎﻫﻢ اﻟﺠﻤﻴﻊ وخاصة وسائل الإعلام – السلطة الرابعة – بدور المتابع من أجل اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻨﺎﻓﻰ مع أخلاقيات شعبنا والمهنية التي ينتمي إليها هؤلاء، وأقول للأخوة في إدارة الجامعات، ووزارة التربية والتعليم العالي ..افتحوا أذانكم لسماع النقد ..وافتحوا قلوبكم لتقبل النقد الذي يجب أن تستفيدوا منه كخطوة نحو النجا ح والتطور . وليتم التحرك سريعاً لأنَّ انتشار اللامبالاة بين الكثير من الفئات المهتمة بمثل هذه القضايا، وكذلك انتهاكات حقوق الإنسان هو الذي يجعل المفسدين يتمادون في انتهاكاتهم، ويجعل التقاعس عن سماع هذه النبضات الصادقة زيادة في المرارة التي يحس بها العاملون من جراء هذه الأعمال.
يشغلني كثيراً هذا السؤال من يدعم المجتمع ويقيه من الانحراف من مؤسسة، تنحرف في مسيرتها، وتقتحم الخصوصية، وتسيء إلى سمعة الأفراد وتشوهها، والسؤال الشبيه من يحمي المـجتمع إذا تحول رجل الأمن إلى معتدٍ؟. لا بُد أن نعي أننا إن أردنا الإعوجاج؛ فلن يمنعنا إلا ما بداخلنا من قيم، ومبادئ، ووازع ديني. ومع هذا أيضاً يظل أملنا كبير في مؤسسات النزاهة والشفافية

مشهد الجرافات لم يغب عن ذاكرتي


مشهد الجرافات لم يغب عن ذاكرتي


استوقفني مثل شعبي أن الدم ثقيل على بعضه، قبل أيام، ورغم الضغط النفسي، والألم في رقبتي؛ فإنني لم أستطع الغياب عن الحضور لحل مشلكة إجتماعية، نودي لاجتماع في بيت أحد رجال الإصلاح الذي يقطن في الحيِّ الشرقي للقرية، والمشكلة تدور أحداثها حول فتح أحد الجيران نافذة في بيته الملاصق لجاره، والذي يحز في النفس أن الجارين أخوان، فالحجارة أُلقيت، والمياه الساخنة رشقت.... تم الاجتماع في البيت المذكور، وأخذنا في النقاش الجاد لحل المشكلة؛ الكذب، والنصب الخداع والنفاق بلا حدود، ولكأنه دين جديد، المهم في الأمر أن النزاع أفضى إلى تدخل الشرطة، وذكرني ذلك؛ المثل الشعبي "الدم ثقيل على بعضه"، حداني هذا المثل بالتفريج بجوانح قلبي المعذب بالألم والخيبة، فرغم سلبية المثل، لكن بالفعل الدم ثقيل على بعضه، ونحن في خضم تناولنا للقضية بادرت عيني بالنظر إلى الجهة المقابلة - جهة الشرق- وهالني ما شاهدته أمراً غريباً، توسيع لمغتصبة (بدوئيل) التي أقيمت سنة 1984، دوريات جيش الاحتلال تعْبُرُ عُبابَ الطبيعة، وست جرافات إسرائيلية تفعل فيها الأفاعيل، تجرف الأرض بشراسة، وتخلع أشجار الزيتون التي رأيت أغصانها المتناثرة تتهاوى بعشوائية، ورأيت الصخور العظيمة تتهاوى إلى الأسفل، تتقلب نظراتي حيناً إلى الحضور، وآخر إلى معاول هدم الذاكرة، والجغرافيا، والخراب في انتظار ما تؤول إليه.
يكسرني حنيني لذاكرة الطفولة، عندما عشت تحت سماء تلك الطبيعة أحلى أيامي، وعندما مشيت على أرضها الطاهرة.. أولى خطواتي... أهمسُ لنفسي: هل ستعود أشجار الزيتون؟ وهل ستحطُّ الطيور المُشردة على الأرضِ؟.. وما بالك بالطُّيُور التي لا تَطيرْ؟ أنظرُ إلى الشرق، وما وراء الشرق... دعوني أهمس أمام الدنيا: آهٍ يا طبيعة قريتي الجميلة، أشجارك، وزهورك، وصخورك التي صقلتها نعال الفلاحين تئن تحت وطأة جرافــــات الاحتلال. أيتها الطبيعة الجميلة لقد طويت الماضي، وأسكنتيه في قلبي، سأعيش على صدى ذكرى الطفولة ...عندما كنت ألتقط صوراً مرة قائما ... ومرة قاعداً... ومرة على جنبي.
هل يكفينا التباكي على وطن ماله نظير، لم ينغصه إلا أعمال التجريف الخطيرة، فالجرافات الإسرائيلية لا تجيد سوى السحق والتدمير، فكم من الفلسطينيين سحقوا تحت جنازير جرافاتهم، حتى نشطاء السلام مثل ريتشل كوري!!. وكأن شيئاً لم يحدث، فلا أحد يقف في وجهها، ولا أحد يحتج، وعند استدعاء الذاكرة للتدليل على ما يحصل، فإننا لا نتنازل في حل الصراع بين الأقرباء، في الوقت الذي ننحني فيه أمام الأعداء.
ذكريات تجول الذاكرة لم تغب عني، ولا تفتأ تمر أمام عيني، فتوقظ مشاعري وتستثير مثلاً شعبياً:" خذ غريمك على هواه، حتى تجيب رجليه على قفاه"، لكن لم أفهم هذا الفكر السلبي، تحفظت على المشكلة لأنني فقدت التوازن، فما حدث لي من خداع، وغدر مَثُل بين عيني، لقد قُلبت رجلاي إلى قفاي..!! فما قيمتي بعد قلب رجلي من أناس حسبتهم أصدقاء رغم تحذيري منهم، فتعاملي بمثالية، وأخلاقية معهم كان عكس ما توقعت، كثيرون الذين حذروني حينما همسوا في أذني: "الحيط المايل ما بينقعد تحته، فلا تؤمن لمثل هؤلاء"، لكن أمَّنت لهم، ولم القِ بالاً لما قيل لي، فكانت النتيجة !!!
أكملنا النقاش في اليوم التالي وسط الأصوات المنادية بعدم التخلي عن الحق، وصوت الجرافات تنخر فى الأرض، أخذ أحدنا يكذب في الحديث عن الأخوة والمحبة وهداة البال، وقال آخر العدو لا يفرق بين شمالي، وبين جنوبي؛ فكلنا في الهمِّ شرق، في ظل هذا الحديث كان هناك من له مصلحه شخصية؛ فسمح لنفسه أن يكذب؛ فمثل هؤلاء كثيرون فهذا زمانهم، ومثل هذا أوانهم. المشهد الاجتماعي الذي أسوقه يحدث دائماً، لكن المهم من هو الأقوى ومن يثني ذراع الآخر، فالأمر أصبح وباء.
يخبرنا التاريخ الغابر أن ملوكاً كانوا يقتلون إن ثبت أن أحدهم كذاب، وقصة هرقل مع (أبو سفيان)، وتحريه الصدق، خوفا من أن يسمع منه قومه كذباً خير دليل، لتعظيمهم لجرمه، وفي ديننا ما يؤكد عار الكذب، و لقد جاء في الحديث الشريف - وإن تضاربت الآراء في ضعفه وصحته- قال أحد الصحابة للرسول (ص) هل يسرق المؤمن؟ قال: نعم. قال: هل يزني المؤمن؟ قال: نعم. قال: هل يكذب المؤمن؟ قال: لا"، وعندها تنحرف الرسالة، ويتغير المضمون، فلا نملك إلا الانتظار. والله المستعان.

hasan_ayyash@msn.com

الكبار يموتون والصغار ينسون

لطالما حلمت، وأنا صغير أنني أكبر لكرهي طفولتي؛ لصعوبة طفولتي، كم هي مُرة الحياة مع وجع الأسنان! .. والأصعب أن يكون الوجع مع الفقر... لا أعرف كيف يكبر الطفل ويصبح رجلاً!...
رحلة شائكة في دهاليز النفاق، كل ما أعرفه أنّني وجدت نفسي في هذا العمر-عمر الشباب- تخيل، وأنت في هذا العمر الشبابي لو أنك بدون عمل، أو أنَّ راتبك توقف شهراً أو شهرين ماذا ستفعل؟ كيف ستعيش؟ زد على ذلك إذا كان لديك أسرة كبيرة، وما بالك إذا كان عليك أن تشتريَ مساحيق النيفيا، والفاونديشن، والآي لاينر، وروج الشفتين، والأويلي؟... وماذا ستقول لابنك؟ وهو يقفز في حضنك تسيل دموعه على خده باكياً.. يترجاك أن تشتريَ له بلايستاشن لأنه رأى أولاد أعمامه، وأترابه اشتروا بلايستاشن..... وهو لم يُقّدِر وجعَ أسنانك، وأنك مسخم ملطم!! لكن كمن يخاطب القمر في انتظار الجواب..
كم هي صعبة أيام الطفولة!! هكذا تشعر حينها ... كم تهرب من والدك عندما يلحقك بالعصا دون شفقة - فهو من الموديل القديم- تصور لو أنك طلبت قرشاً منه؛ حينها سترى النتيجة!
ما أحلى أيام الطفولة! آهٍ أيها الحلم! كم كنت أتمنى لو كانت كل الأيام طفولة.... هكذا تشعر عندما تكبر.. وتصبح ذكريات.. كم هي المرارة التي عشتها لكني أحبذ أن تعود؛ فهيهات هيهات أن تعود...فكم شعرت، وكأن لي أجنحة تحلق في السماء، هل هي لحظة فرح أن تعود إلى أيام الطفولة، أم لحظة حزن، أم لحظة أمل تسرق الخيال فتسبح في الأيام المقبلة، سأتذكر البيادر، عند كل مغيب شمس على الخاصرة الغربية في طريق الوادي المنحدر حتى القرية، إلى الجنوب منها طريق الدرجات وأنا أحدّق النظر في العائدين من أعمالهم في الحصاد، والرعاة، وهم عائدون بنعاجهم، وأبقارهم، وبغالهم.
أيام البيادر لا تُنسى عندما كنت أنام فوق حلة القمح؛ فشهر أو شهران، ونحن في انتظار الجاروشة على أحر من الجمر، كان البيدر يمتلئ بحلات القمح والشعير....وفي الصباح، يكون الندى الذي يغمر القرية في ذروته، فيما تمنح قطرات الندى التي تغطي سيقان الأشجار إحساساً دافئاً. ورائحة الخبز الذي دلته أمي من الطابون، وهي تضع حفناتٍ من الطحين على قطع العجين في الباطية الخشبية، وأشرب من إبريق الفخار بكل حيوية، وأُكْثِرُ السؤال لأبي –رحمة الله عليه- عن أشياء لا يريد مني أن أعرفها، فيجيبني :" اللي بدري بدري، واللي ما بدري بقول كف عدس".
بعد الحصيدة، كانت جارتنا قد اشترت ثلاجة، أيامها مررنا عن جارنا (أبو الوليد) -رحمه الله- وهو يدخن الهيشي، وقداحته كانت تعمل على الكاز، ويتربع في جلسته على المصطبة؛ يومها قال:" راحت أيام زمان.. الله يسترنا". لكن لم يعرف (أبو الوليد) أن الطابون هُدِم، وضاع فخ الغزلان، وراحت المصطبة التي كان يتربع عليها.
أواه يا قلبي... وينك ي(أبو الوليد)؟ ... وينك يا حج ساطي؟ وينك ي(أبو طالب)؟ - رحمهم الله جميعاً- أين كلماتكم عندما أعطيكم إبريق الميَّة تقولولي "عاشت هالأيادي" أو :" الله يِكِبْرَك".
لأترك كل هذه الصدمات لأني في حالة اكتئاب مثل المبُعد عن حبيبته يظل مفعماً بالحب والذكريات، ما يحزنني بذات الوقت أن الصداع لا يتركني ليس بسبب العجز، لكن بسبب الغدر... فأنا حبيس الشوق والآهات....
ومن صمت الحكايات ودوامة الأحزان، دعوني أغرق في الذكريات؛ لأتفيأ في ظل زيتونة رومية في خلة من خلات تعميرتنا أتشرف بالانتماء إليها في عصر ملأ الضبابُ سماءنا، بعد أن كنا نغتبط لشمس المستقرضات،... الشوق والحنين لماضٍ لن يعود ...دموع الغربة الجميلة، وسقى الله أيام زمان....أيام......البيادر.... والتعامير ...والسحايل...
على سيرة السحيلة والنقَّارة لم تستطع السنوات الطويلة أن تنسيني صوت ستي زريفة – رحمها الله - فصوتها لا يغيب عن ذاكرتي، وهي تحلِّس، وتملِّس رأسي، وتهمس: "الله لايوريك شر، ويحفظك من شر الحسد والعين".
طريق النقَّارة، وبير راضي كان لا يستطيع الشخص أن يمشي فيها، إذا رافقه شخصان، أو إذا ركب على الجحش، وعليه خُرُج أو مشتيل، ولما كنت أركب الجحش أخاف كان أبوي يردد:" مش كل من ركب الخيل خيَّال".
فأهم مشاويري في تلك الأيام كانت من البيت إلى النقَّارة، أو من البيت إلى خلة أبو زرقون، ومن النقَّارة إلى البيت، أو من خلة أبو زرقون إلى البيت، وإذا أبعدنا نصل إلى عين الزاوية.. نسبح، ونسقي النعجات..والبقرات......
وسأظل أتذكر مواسم الحصاد، واللعب على بيادر القمح والشعير والعدس والكرسنة والبيقة.. كانت الحجة حسنة-رحمة الله عليها- متميزة في صناعة صوانٍ من قش القمح .... واسألها عن عمتي كيف تعمل صواني كانت ترد عليّ " يا بنيَّ:" مثل ما قال المثل:" يا كحيلة الدار، موش كل النسا نسا، وموش كل الزلام زلام، فيهم صميدة، وفيهم يشبه العتَّان، وموش كل الصواني صواني... فيهن خاسات ادوار"... لما أذهب إلى البيت بعد أن نضع التبن الأحمر في المداود للدواب.. كنت أميِّل عند عمتي خاتمة- رحمها الله- وكانت تعبانة عليها شرشف مزركش، دخيلك يا عمتي خرفيني عن أيام زمان.. تحكيلي يا عمتي:" أحكيلك عن همي ولمي، ولمَّا أمي جابتني في الصنية، وقالت ويش ياعربان ويش". كانت عمتي عندها كل شيء إلا السعادة، ولما أعود للبيت بعد السهرة عند عمتي أجد لقمة خبز على الأرض ألتقطها، وأبوسها، وأضعها على جبيني...وأضعها في مكان حتى لا يدوس عليها أحد.
ولا يغيب عن بالي أبداً منظر الحاج مسعود- رحمه الله- يقف على ظهر الأوضة ينادي بأعلى صوته: " يا سامعين الصوت .. صلوا على محمد...الحج عثمان (أبو محمود) ضيَّع دزدانو.. وفيه 25 قرش".
وكان أبو خليل-رحمه الله- شمعتنا نلتم حواليه على دفء الحكايات التي سمعناها، وإحدى الأيام نادى على زوجته، وكانت من جيل ابنه، وطلب منها أن تقص لنا حكاية، ويبدو أنها وجدت نفسها مستغابة من إحدى جاراتها كانت عندها، فأومأت برأسها بسرعة، وقالت" مال هالجمل بمشي وبخبع لورا، عيب الناس برى وعيبوا مابرى" وفهمنا أنها كانت تعني عن جارتها.
وينك يا ستي لما كنا ننتظر بفارغ الصبر حكاياتك ونضحك بقهقهة عالية وتزعلي، وتقولي: "مثل ما قالت: القرقعة لا لي خد الُطّو ولا لي جيب أقدو".
كم تعبو أهالينا.. وعلى قول فيروز- سفيرة لبنان إلى النجوم- ستي يا ستّي...اشتئتلك يا ستي .... لما كنت تتعربشي، وتتسلقي السناسل، وتمشي الطريق الزراعية الوعرة، وعلى جانبيها سنابل القمح المتمايلة... ووقع أقدامك تصطكُّ بالحجارة التي صقلتها نعال الفلاحين...
وينك يا ستي لما كنت تحصدين في المنجل، وبين ذراعيك تحملين غِمر القمح, كنت تذكرينا بفيروز، وهي تشارك بصوتها العصافير عند شقشقة الصباح: لاقونا يا أهل الدار جبنا الورد غمار غمار .
أيها الناس...أمنحوا شجرة الزيتون بعض الحب؛ فشجر الزيتون الباقي يذكرنا بأجدادنا- وهم في قبورهم- حتى تتفجر ينابيع الحب من داخلنا، ولولاهُم لما تعلمنا العطاء، فلا شهوة عندي إلا أن أعود لطفولتي لأرتمي بأحضانهم لأشعر بالدفء والحميمية ..فأنام قرير العين، فهناك المكان الأكثر حناناً، وأمناً، وصدقاً...
أعشق أيام الطفولة لأنها الوفاء، والحب الصادق...؛ لأنها الرقص البريء على أنغام الحكايات... سامحونا يا أجدادنا.. فهـا نحن عجزنا عن العودة إلى أيام الصدق والوفاء والعفوية.

الحرية أغلى من الحياة


في كثير من الأحيان يتعرض الإنسان في حياته إلى تجارب عديدة، أو إلى الإصابة بطفيليات وصور قاتمة، وقد تكون هذه الصور من بشر، بعيدين كل البعد عن روح الإنسانية، وعن مبادئ ديننا الحنيف، فإذا أردت أن تنتصر على صديق أو زميل لك، فما عليك إلا أن تكيل سيلاً من الإشاعات والتشويه، خاصة من هؤلاء الذين لا يجدون من يوقفهم عند هذا الحد ممن وجد الهوى، والأنا هو المتحكم عندهم, وهذا نوع من اليأس.
كثيرا ما نتكلم بشعاراتنا في كل مكان، ولكنها بعيدة كل البعد من الناحية العملية، نتغنى بالأخوة، والصداقة، وبالتضحية، والإيثار، ونحن نقدم غيرنا قرابين لأخطائنا وصراعاتنا، كيف سنصل إلى مبتغانا في الوحدة، والدفاع عن حقوقنا المسلوبة، ونحن نقزِّم أنفسنا من خلال تقزيم جهود الآخرين… وفي السابق تعلمنا أن الابن يمثــّل أباه في المناسبات دونما حاجة إلى وكالة رسمية، وهـكـذا الموظف في عـمله يمثل نظام مؤسسته في أداء واجـبه، فلا يقوم ضمن أساليب في التأثير على الآخرين بصياغة واقع اجتماعي الذي يتعمد فيه البعض أن يعرضه علينا، أو ينشره لنا، فالعملية تقوم بشكل أساسي على تلك الصورة الذهنية، التي يتم تعميمها على الناس ليتم الحكم عليه، والتعامل مع هؤلاء على هذا الأساس.
هناك من البشر من هم ذئاب، فلسفتهم التشويه، والتزييف، والخداع، متخذين هذه الفلسفة منهجاً؛ فمثلاً يدسون كلمة صحيحة قيلت على لسان إنسانٍ ما – مستهدَف- ويغلفونها بمئات الكلمات الكاذبة لخداع الآخرين، مستغلينهم بعدم التفاتهم إلى حقيقة الكلام الملفق، فيدخلونهم في وساوس السوء. فهم أصحاب الفبركات.. وللكلمة مرادفات كثيرة..!! وهنا استذكر قول غوبلز وزير الإعلام الألماني أيام هتلر بقوله الشهير: "اكذب، ثم اكذب، ثم اكذب؛ فلا بدَّ من أن يصدق الناس في النهاية".
قد يتـنافـس الأخوة والزملاء والأصدقاء وقـد يتـزاعـلون، كما كان أباؤنا يتنافسون، ويتزاعلون في حب جمال عبدالناصر، فهذا أمر عادي، ولكـن لا يتنكر فريق لآخر، وإذا حصلت الأخيرة، فـهـذه مسألة بسيطة، وسنعـرف أنّ حُـسنَ ظـنـنا، وطيـبة أخلاقـنا، كانا سـهـواً منا، إن هؤلاء المتسلطين لا يأبون إلا أن يزدادوا طغياناً، وجبروتاً، وكأننا نعيش في عصور الظلمات والجهل، وقد يكون هؤلاء ممن تظنهم أنهم الأكثر احتراما لك، لكن عندما تختلف المصالح، والفكر يتخذون من التشويه، والتضليل سياسة، لتقوية نفوذهم على الآخرين من خلال التضليل والتلفيق، وهذا ديدنهم، ومنهجهم.
وفي أعقاب ذلك تنطلق عشرات القصص المفبركة، والتلفيقات، والإشاعات الممنهجة، فتجد بعض الناس من يتصدى للفبركات، مؤكدين على المصداقية التي يتمتع بها هذا - المفبرَك عليه- بما توفر لديهم من إمكانات محدودة، وينفون نفياً قاطعاً هذه التلفيقات.
لا شك أن هذه في المحصلة هي تفاهات لا أكثر، ولا أقل، لكن يضطر هذا المستهَدف الرد على هذه التفاهات والتلفيقات، رغم أنه يكون قد عاهد نفسه على ألا يكون ثائراً على أحد أياً كان.
علينا أن نعرف من يخادع، ومن يلتزم، ومن يدّعي، وأن نكون على ثقة بأنفسنا.. وألا نفتح لمروجي (الإشاعات والدعايات) المغرضة باباً أو نافذة, يمكن أن يعبر منها الهواء الفاسد الخانق.
ليس من الحكمة أن يكيل حفنة من الناس مثلاً، التهم لآخرين لأسباب مصلحية، وإثارة الفتنة، واعتقد أن الأمر هنا يتعلق بفشل وقف سياسة الوساطة، والمحسوبية، والشهرة، والأسبقية، والعلاقات بين زملاء العمل، أو كما قيل: "حُكْلِي بَحُكلَك، وكاكِيلي بَكآكِيلَك"، فالكتابة هي الوسيلة المثلى للتعبير والحوار، وهي من أهم وسائل أصلاح النفوس، فلا نكون كما خاف أجدادنا من فكرهم أو صراحتهم، مثل: (أبو حيان التوحيدي) الذي أحرق كتبه، وقد جاوز التسعين من عمره، ولا مثل، (أبو عمرو بن العلاء) الذي دفن كتبه، خوفاً على نفسه، ولا مثل (أبو سليمان الداري) الذي جمع كتبه في تنور، وسجرها بالنار، ثم قال: " والله ما أحرقتك حتى كدت أحترق بك". ولا مثل سفيان الثوري الذي مزق كتبه، وطيرها في الريح وقال: "ليت يدي قطعت من هاهنا، ولم أكتب حرفا"، ولا مثل (أبو سعيد السيرافي) الذي قال لولده:" تركت لك هذه الكتب تكتب بها خيراً, فإذا رأيتها تخونك، فاجعلها طعمة للنار.
قرأت ما يشبه الحكمة بأن الشعوب الناجحة، والصادقة لا يقاس نجاحها، أو فشلها بقوة الذئاب البشرية، إنما نجاح الأمم يقاس بمدى قدرتها على حماية أبنائها من الفشل، والوقوف إلى جانبهم إذا فشلوا، وانتشالهم من السقوط، وردهم إلى الحياة.
وعلى قول الوساطة، يحضرني ما قرأته في غير كتاب لابن عبدربه، أنّ رجلاً من بني كلاب خطب امرأة، فقالت أمها دعنى حتى أسأل عنك، فانصرف الرجل، فسأل عن أكرم الحى عليها، فدل على شيخ منهم كان يحسن التوسط فى الأمر، فأتاه يسأله أن يحسن عليه الثناء ( له حُسن المكافأة)، ثم إن العجوز غدت عليه، فسألته عن الرجل، فقال أنا أعرف الناس به!!، فقالت: فكيف لسانه؟، قال: مدرة قومه، وخطيبهم!، قالت، فكيف شجاعته؟، قال: منيع الجار حامي الذمار، قالت: فكيف حماسته؟ قال: ثمال قومه، وربيعهم، وأقبل الفتى، فقال الشيخ، ما أحسن، والله ما أقبل! ما انثنى، ولا انحنى!‏.‏ ودنا الفتى، فسلم، فقال الشيخ: ما أحسن، والله ما سلم! ما فار، ولا ثار! ثم جلس، فقال الشيخ‏:‏ ما أحسن والله ما جلس ما دنا!، ولا نأى‏!‏ ثم ذهب الفتى ليتحرك، فضرط، فقال الشيخ‏:‏ ما أحسن، والله ما ضرط!، ما أطنها!، ولا أغنها!، ولا بربرها!، ولا قرقرها!‏.‏ ونهض الفتى خجلاً، فقال‏:‏ ما أحسن، والله ما نهض! ما ارقد ولا اقطوطى‏! فقالت العجوز‏:‏ حسبك يا هذا وجه إليه من يرده، فوالله ولو سلح (تغوَّط) في ثيابه لزوجناه‏".
إنه ليس من الإنصاف أن لا توجه السهام إلى هؤلاء الذئاب الذين ينافقون بشتى الأشكال والألوان، ويلفقون لا لشيء إلا لأنهم يحملون حصانة الزيف، والوساطة فلا يتمكن معها أحد من الإشارة إليها إلا بكل جميل.
وأخيراً - رغم كل شيء- فإن البشرية تعلمت خلال تاريخها الطويل، أنَّ الحرية الشخصية أغلى من الحياة نفسها، وأنه لا يمكن ترك أمر تقدير حدود الحرية إلى هوى إنسان، وتحيزه، أو مجموعة من الناس، وتحكمهم، ولو كان عددهم كثيراً ما يكفي للشعور بالاطمئنان. وإن هذه المشاعر ستزول مع الزمن، كحتمية زوال الاحتلال، ورغم كل ما يحدث، فإننا لن نفقد الأمل، وعلينا أن لا ندعها تؤثر فينا وعلينا، لكن ستبقى ذكريات، وتجارب لا أكثر.

مخيم العائدين.. أنتم في القلب


بعد أن أنهيت دراسة الدكتوراه كانت أحلامي كبيرة جداً، لكن ما عادت كما كانت؛ فقد أخذت تموت يوماً بعد يوم. فالنظرة السوداوية أنتابتني منذ فترة ليست ببعيدة، لكنني لم أفقد الثقة لا فى نفسي، ولا في غيري، فهل ستسألني أنني أشـعـر بالظـلـم، لست أدري. هل كنت أنا السبب؟ أم أوهامي في لحظة ضعف؟ أم الشللية ؟ أم أنا رسمت خريطة قدري؟ يشرد ذهني طويلاً في ما يمر به من الذكريات.......الأصدقاء، الزملاء.. سأذكر أنني لم أعرف كيف أصادق......
بالرغم من أنها عبارات يمكن تفاديها، ولكن أكثرها صعوبة عـنـدمـا أصافح بـحــرارة يـــداً تثبت لاحقا أنها ملـوثة. وفي هذا السياق أستذكر قول الشافعي- رحمه الله-:
قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَمَا مَاتَتْ مَكَارِمُهُمْ ......... وَعَاشَ قَوْمٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أَمْوَاتُ
لا يهمني في هذا المقال الشفافية والظلم والفساد، وأنا لم أكن على نيةٍ أن أكتب عنها.......فقد كتبت قبل أيام مقالاً عن الشفافية والفساد. فما يهمني هنا أنه أتيح لي وقت يخلو من التفكير في الغبن والظلم... وأن الأمر قد زاغ عن مساره لاستذكر أنه في العام 2009 بمناسبة اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية، استضافت حمص فعاليات مؤتمر القدس الدولي تحت شعار:" القدس تاريخ وعمران" وكنت أحد المشاركين بورقة بحثية، وكان لي الشرف بأن التقي مع نخبة من الأدباء والمؤرخين.. كانت مدينة خالد بن الوليد الرائعة ذات الألوان الزاهية والحدائق المتنوعة... والشوارع الفسيحة تجسد عبق التاريخ... وسحر الطبيعة.. فتُدخل البهجة إلى النفس، تستقبلنا بترحاب.
وصلنا إلى فندق حمص الكبير حيث نقيم، وسأسعد عندما أعلم أن د. سهيل زكار الموسوعي، أو كما يسميه البعض المكتبة المتنقلة سيكون من بين المشاركين، وأن فراس السواح الباحث في الميثولوجيا وتاريخ الأديان، سيقدم ورقة بحثية، وكنت أستعد لمحاورته عن قصة خلق آدم وحواء في الميثولوجيا البابلية، وعن قصة خلقهما في التوراة والقرآن؛ لكنه يلقي محاضرته ويغادر لأسباب لا أريد الخوض فيها، وكان من بين المشاركين أيضاً د. عمر عبدالسلام تدمري، ود. فرج الله يوسف، ود.ة سلوى بلحاج.
ولأن الحديث يجر الحديث، فإنني تشرفت بدعوة من التلفزيون السوري للحديث لمدة ساعة عن القدس بصحبة المؤرخ الكبير سهيل زكار، ود. منذر الحايك وكيل جامعة القلمون؛ ثم شعرت بحنين وسعادة عندما علمت أننا سنكون ضيوفاً بدعوة من اللاجئين الفلسطينيين في مخيم العائدين في حمص (أنشىء عام 1949 على مساحة 150000 متر مربع) وكنت سعيدا بهذا الزخم والاحترام، فتراهم يصطفون على مدخل المخيم من الجهة الشمالية.. لامست طيبة قلوبهم وقوتهم، وقد ألقيتْ عدة مسرحيات، وأغاني وطنية، ودبكات مثلها شاركت فيها لوان الطيف السياسي الفلسطيني، وكان ثمة احترام من الحكومة السورية حيث حضر المهرجان رئيس منظمة اتحاد شبيبة الثورة في سورية، وأعضاء من القيادة السورية، والباحثون الذين شاركوا في جلسات المؤتمر.... ولن أتحدث هنا عن الجانب العلمي للمؤتمر أو سأقوم بتغطية صحفية عن جلسات المؤتمر...... لكن ما شاهدته كان أعمق من ذلك؛ ففي سوريا كانت الحفاوة كبيرة لما رأيته من محبة ... وكنت أحد المحظوظين بل أكثرهم.. لربما لأنني الوحيد من فلسطين الذي يشارك في المؤتمر، كان حسن الاستقبال أكثر ما يلفت نظرك ... ومثله الاحترام والتقاط الصور معي وكأنني مثيل للبطل الكردي الذي حرر القدس لما لاحظته من أهمية تجاهي مما أعطاني هالة أكبر من حجمي؛ فخجلت من نفسي....
تذكرت هذا المخيم، وأنا أشاهد حلقات أرزة وزيتونة الذي بثه تلفزيون فلسطين أيام شهر رمضان في المخيمات الفلسطينية في لبنان؛ ستجد مفارقة واضحة بين أبناء هذا المخيم، وما شاهدته من حلقات أرزة وزيتونة؛ فللحقيقة أقول إنني تحاورت وبعض أبناء مخيم العائدين، فلاحظت حياتهم الصعبة وحنينهم الأبدي المليء بالشوق والدموع على فلسطين، فرغم المعاناة والألم إلا أنَّ انتماءهم ظل فلسطينياً، والأمل يحدوهم بأنهم لا بد عائدون إلى الأرض التي سُلبت منهم، فجأة، أجدني أمام فكرة تذكرت فيها أنني محظوظ؛ فالشاعر الكبير أحمد دحبور يقطن مخيم العائدين، فلا بدَّ من الالتقاء به ..... فالشاعر كان رحيله عن حيفا مبكراً ..... ونظم الشعر في فلسطين والعودة والنكبة وحيفا مسقط رأسه؛ وكتب نثراً، ومن عناوين قصائده "حكاية الولد الفلسطيني"، و"طائر الوحدات"، و"بغير هذا جئت"، و"اختلاط الليل والنهار"، و"كسور عشرية"، و"شهادة بالأصابع الخمس"، و"واحد وعشرون بحراً"،... لكن لم يسعفني الحظ لأنه لم يتسنَّ لي الالتقاء به لأن الشاعر الكبير كان ألم به المرض وهو في المشفى.....فكان فرحتي منقوصة؛ فكم كنت مشتاقا لرؤيته..... قمت بزيارة إلى بيت فلسطينية دعتني لمّا علمت أنني فلسطيني مقيم في فلسطين... فاجأني ما رأيته في بيتها؛ فهو متحف وطني، رأيت صوراً جدارية لمدن فلسطينية، وأخرى شعارات، ولفت نظري إلى صُور عجوز كبيرة في السن معلقة على الحائط لتذكرني بمفتاح عمتي من المجدل، كانت العجوز تحمل بيدها شهادة تسجيل أرض في قرية الشجرة التابعة لقضاء طبريا، تعود لعام 1947 صادرة عن حكومة فلسطين، فشدني فضول لأسأل الأخت اللاجئة أين هي الأوراق التي تثبت الملكية تلك والأثرية التي تحافظون عليها؟ فمدت يدها إلى الجارور وراء كرسيها؛ فسحبت ملفات كثيرة قمت بتصوير بعضها، وكانت ملفات، وأرواق أصلية تثبت ملكية الأرض في قرية الشجرة وحقهم فيها، حدثتني كثيراً عن أمها.. عن ذلك القهر خارج الوطن، وعن الأرض التي وحدها تستحق الحياة، في هذا السياق أستذكر قول محمود درويش: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".... كنت أتخوف من نسيانهم لأرضهم؛ لأنهم ليسوا ممن هاجر، وإنما أُجِبر ذووهم على الهجرة، لكن ما شاهدته يؤكد أنَّ هؤلاء الأهل ينتمون إلى أرض وتراب وعرض وقيم، ومعتقدات، وثوابت، إلى أرض الآباء والأجداد.... حتى الأطفال أسألهم من أين أنت؟ أنا من صفد، أنا من يافا، أنا من يازور، أنا من الشجرة، أنا من طرعان، أنا من عسقلان. وهذا دليل أن حق العودة لا يمكن نسيانه ما دام الأجداد يعلمون الآباء والآباء يعلمون الأحفاد؛ فهل يقف السادة، ونحن معهم إلى جانبهم، وندعمهم، ونثبت انتماءهم، ونعمل على تقوية الروابط بينا وبينهم؟.
ظلت فكرة تراودني .. بل حلم يراودني، وهو أنني لم ألتقِ أثناء وجودي في سوريا الشاعر أحمد دحبور والاطمئنان عليه، رغم أنني كنت على اتصال مع أقاربه، وكانوا يطمئنوني عنه..... وقد شعرت بالاطمئنان أول أمس، رغم عدم الحديث معه، واعتذر له لأنه انتظرَ مهاتفتي له في صيدلية ابن أخيه أكثر من ساعة، فكان قد سئم الانتظار، وطال عليه الأمد، فقد تعذر علي الاتصال بسبب الضغط على الشبكة، لكن أبناء أخيه الصيدلاني خضر ود.ة هدى أكدا لي أنه يتمتع بصحة جيدة، ويكتب ما طاب له من ألم الفراق، وحنين الوطن... فلك موفور الصحة يا شاعرنا الكبير

رسالة إلى أصحاب القرار اقطعوا أعناقنا ولا تقطعوا أرزاقنا

رسالة إلى أصحاب القرار

اقطعوا أعناقنا ولا تقطعوا أرزاقنا

نفكر كثيرا في حالنا وحالتنا، نمل ونُحبط، نفرح ونسعد، نتأثر بالشعارات التي يحملها الكثيرون، شعارات الشفافية والعدل والمساواة، والتنافس النزيه، وتكافؤ الفرص، نغنى على ظريف الطول، ونعلق الأعلام على سياراتنا وفوق بيوتنا، ونسمع خطابات صنّاع القرار، وتصريحاتهم، ونفرح لها، ولبرامجهم التي يعلنون فيها أن أولى أولوياتهم هي: الديموقراطية، والعدالة، وخلق فرص العمل للمواطن.
زوبعة من التساؤلات تطرح في ذهني … ما الذي نحتاج إليه؟! ولربما نحتاج إلى وقفة نردد فيها قول الإمام الشافعي -رحمه الله-:
نعيب زماننا والعيـب فينـا وما لزماننا عيـب سوانـا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب ولو نطق الزمان لنا هجانا
فدنيانا التصنع والترائي ونحن به نخادع من يرانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئبٍ ويأكل بعضنا بعضاً عيانـا
نعم زوبعة من التساؤلات تطرح، وتحتاج إلى المكاشفة، والصراحة مع الذات لنحاول أن نفهم أنفسنا، ونعي جيداً ما يدور في خلجاتنا، فنحن أُمة ننظر إلى المسؤولين بالشك، وعدم المصداقية، فنحس أنهم تركوا لنا أوجاعا مزمنة، فصاحب القرار مثلاً لا يستمع لمن هو أدنى منه مرتبة، ولا إلى صرخات الرعية.
هل من الممكن أن نعزو أوضاعنا الصعبة إلى غياب الرقابة؟ وإلى تفشي الفساد دون الالتفات إليه، وهو ينخر مؤسساتنا، وهل من الممكن إن نعبر عن أنفسنا أمام الظلم والفجور؟ ونحن أبناء يعرب أعرب الناس لساناً، وأنضر الناس عودا. إلى متى يا أبناء عدنان وقحطان؟؟ إلى متى سنصفي الحساب مع الذات؟ وإلى متى ستظل عاطفة الضمير ميتة إزاء معاناتنا في هذا الوطن؟ وأين حق الاختلاف والديمقراطية؟ أين العدالة والشفافية، وأين تكافؤ الفرص الوظيفية،.. وهذه الأخيرة حدث ولا حرج في مؤسساتنا، فكثيراً ما تقرأ في الصحف، وعلى صفحاتها الأولى، وفي مواقع المؤسسات المختلفة عن توفر وظائف شاغرة محددة بشروط واضحة مثل الكفاءة، والتنافس النزيه.
أعود، قليلاً إلى الشعارات الطَّنانة والرَّنانة، شعارات الشفافية، وتكافؤ الفرص، والادعاء بالتنافس الوظيفي الحر النزيه، شعارات مليئة بالحماسة الوطنية، والبناء، والتضحية من أجل الوطن والمواطن، وكم نعرف أشخاصاً شغلوا مناصب بعيدة عن كل الشروط التي وضعت.. لأن البديل هما الوساطة والمحاباة ... ويبقى من يحمل كل المؤهلات المطلوبة- صاحب الكفاءة- ويطابق كل المواصفات المحددة والشروط في قارعة الطريق بلا وظيفة، وبلا تقدير لأنه لا يتقاضى راتباً بسبب عدم التعيين، بل ينظر إليه أنه مفلس، وفي هذا الصدد، أستحضر- مرة ثانية- شعر الشافعي -رحمه الله-
لمَّــــا أَتَيْـــتُ النَّاسَ أطلبُ عِندهُم أخَـــــا ثقةٍ عند ابتلاء الشــــــــدائدِ
تقلــبتُ في دهـــري رخـــــاءً وشدةً وناديتُ في الأحياء هل من مساعدِ؟
فلــــمْ أرَ فيما ســــاءني غير شامتٍ ولمْ أرَ فِيما سرني غيرَ حـــاســـــدِ
شعارات الجميع يرفعها لأنها أضحت موجة عالمية، لكن زيفها يتضح بالتمويه والتضليل، وعدم المصارحة مع المواطن؛ خاصة عندما يحصل على الوظيفة المطلوبة من لا تتوفر فيه مواصفاتها، ولا شروطها. والأمثلة كثيرة، ومتعددة تلك التي تدل على ذلك التناقض بين ما نردده، وبين ما نسلكه على أرض الواقع.
حدثني أحد الزملاء الثقات أنّ زميلاً له يحمل شهادة الدكتوراة، تقدم إلى شغل وظيفة شاغرة أعلنت عنها إحدى الجامعات؛.ونشرت في الصحف المحلية، ومن بين الشروط المطلوبة، أن يكون المتقدم حاصلاً على المؤهل المطلوب في التخصص، ومن جامعة معترف بها، ولديه خبرة في مجال التدريس الجامعي، وأن يكون لديه خبرة بحثية كافية، وأن يكون متفرغاً كاملاً للتدريس، ومنها أن يكون درس في جامعة وفقا لشروط الانتظام والمواظبة في الدراسة.
اعترف أنني تلهفت لمعرفة نتيجة القصة من زميلي، وهو يتلوها، وآذاني كلها صاغية، وقلبي يخفق، فكانت النتيجة أن شخصاً عُين حاصل على شهادة الماجستير، ليُدرس مساقاتٍ ليست من تخصصه، وليس بينها صلة قرابة، وهنا همست لنفسي بمرارة: أليس هذا هو الفساد بذاته، وهل أصبحت المعايير في التعيين تعتمد على الوساطة، والمحاصصة المقيتة، ولماذا نعاني من تلك الفجوة بين النظرية والتطبيق؟
لقد أعادتني هذه القصة إلى سنوات عملي في جامعة محلية، إذ تصدر الجامعة إعلاناً عن حاجتها إلى عضو هيئة تدريس، والعضو أصلاً تم تعيينه قبل فرز الطلبات، نكتة سخيفة بالفعل، فلا أعرف ما الفائدة من هذا الإعلان سوى ذر الرماد في العيون.
أقولها وكلي ثقة لأنني اكتشفتها أثناء عملي بل أقول غيرها أنَّ زملاء الدوائر يخضعون عملهم للمجاملات؛ بحيث لا يقدر أحد من الإدارة أن يحاسب أياً من هؤلاء المتزاملين، لأنهم يعرفون ثغرات بعضهم، والأسوأ من ذلك أن مربي الأجيال في الجامعات يتاجرون في الأراضي والفلل، وبناء القصور بالملايين، بينما أولياء أمور الطلبة، يتلظون من الأوضاع المعيشية، وغلاء الأسعار، فلا يشعر بمعاناتهم إلا من يكابد مثلهم، أولئك الذين يصرفون ما لديهم أول الشهر، ويبحثون عن قوتهم في آخره...ولا أقصد فيما سلف أن أعيب عليهم التجارة أو أطالب بمنعها، لكن العيب بل، والظلم أنهم في الأصل يعملون في تجارة التدريس، فالعبء التدريسي للأستاذ المساعد يصل إلى 21 ساعة، أليس هذا تاجراً أو كأنه يعمل في روضة أطفال، أليس حرمان الطالب من حقه في التعليم الحقيقي، كارثة إنسانية؟!.
وهنا أتساءل: أليس الأجدر بإدارة الجامعات والوزارات، وعلى رأسها وزارة التعليم العالي - أولاً - أن تصحح الأخطاء القاتلة؟؟ في الوقت الذي يستشري فيه الفساد جسد الأمة بدون حسيب أو رقيب ولا محاسبة؟
لقد آن الأوان أن تعمل كل الوزارات وفي مقدمتها وزارة التربية والتعليم العالي، ومؤسسات التعليم على إصلاح التجاوزات، وخلق فرص عمل جديدة للشباب الخريجين العاطلين عن العمل، في الوقت الذي تهدر فيه ملايين الدولارات بلا فائدة، فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فلا بدَّ من ضرورة العمل السريع على إصلاح الأنظمة، والأساليب في عمليات التعيين بشكل مهني بحيث تكون بعيدة عن المحسوبية، والوساطة، والمحاباة.
وفي المحصلة لا بد من طرح هذين السؤالين: هل تسمع أحدى الوزارات تأوهات شبابنا ....أو تكترث لصرخة الألم التي تدوي في سماء وطننا. ثم هل سنتغير، ونتطور، ونتعلم؟ كلها أسئلة ليس نحن من يجيب عنها.